فصل: استنقاءٌ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


استنزاهٌ

التعريف

1 - الاستنزاه‏:‏ استفعالٌ من التّنزّه وأصله التّباعد‏.‏ والاسم النّزهة، ففلانٌ يتنزّه من الأقذار وينزّه نفسه عنها‏:‏ أي يباعد نفسه عنها‏.‏ وفي حديث المعذّب في قبره «كان لا يستنزه من البول» أي لا يستبرئ ولا يتطهّر، ولا يبتعد منه‏.‏

والفقهاء يعبّرون بالاستنزاه والتّنزّه عند الكلام عن الاحتراز عن البول أو الغائط‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الاستبراء‏:‏

2 - الاستبراء هو طلب البراءة من الخارج من السّبيلين حتّى يستيقن زوال الأثر، فهو أخصّ من الاستنزاه‏.‏

ب - الاستنجاء‏:‏

3 - الاستنجاء - ومثله الاستطابة - هو إزالة النّجس عن أحد السّبيلين بماءٍ أو حجرٍ أو غير ذلك، وهو أيضاً أخصّ من الاستنزاه‏.‏

الحكم الإجمالي

4 - الاستنزاه من البول أو الغائط واجبٌ، فمن لم يتحرّز من البول في بدنه وثوبه فقد ارتكب كبيرةً كما يراه ابن حجرٍ‏.‏

وتفصيل أحكامه في مصطلح ‏(‏استبراءٌ‏)‏ ‏(‏وقضاء الحاجة‏)‏ ‏(‏ونجاسةٌ‏)‏‏.‏

مواطن البحث

5 - تبحث المسألة عند الفقهاء في الطّهارة عند الكلام عن الاستنجاء، أو الاستبراء عن البول والغائط‏.‏

استنشاقٌ

التعريف

1 - الاستنشاق‏:‏ استنشاق الهواء أو غيره‏:‏ إدخاله في الأنف‏.‏ ويخصّه الفقهاء بإدخال الماء في الأنف‏.‏

الحكم الإجمالي

2 - الاستنشاق سنّةٌ في الوضوء عند جمهور الفقهاء، وعند الحنابلة فرضٌ‏.‏ وأمّا في الغسل للتّطهّر من الحدث الأكبر فهو سنّةٌ عند المالكيّة والشّافعيّة، فرضٌ عند الحنفيّة والحنابلة‏.‏ وإنّما فرّق الحنفيّة بين الوضوء، والغسل من الجنابة، فقالوا بفرضيّة الاستنشاق في الغسل وسنّيّته في الوضوء، لأنّ الجنابة تعمّ جميع البدن، ومن البدن الفم والأنف، بخلاف الوضوء فالفرض فيه غسل الوجه وهو ما تقع به المواجهة، ولا تقع المواجهة بالأنف والفم‏.‏ وللفقهاء تفصيلٌ في كيفيّته انظر ‏(‏وضوءٌ‏)‏ ‏(‏وغسلٌ‏)‏‏.‏

مواطن البحث

3 - تنظر أحكام الاستنشاق في ‏(‏الوضوء‏)‏ ‏(‏والغسل‏)‏ ‏(‏وغسل الميّت‏)‏‏.‏

استنفارٌ

التعريف

1 - الاستنفار في اللّغة مصدر‏:‏ استنفر، من نفر القوم ‏"‏ نفيراً ‏"‏ أي أسرعوا إلى الشّيء، وأصل النّفير مفارقة مكان إلى مكان آخر لأمرٍ حرّك ذلك، ويقال للقوم النّافرين لحربٍ أو لغيرها‏:‏ نفيرٌ، تسميةً بالمصدر‏.‏

2 - وفي الاصطلاحيّ الشّرعيّ‏:‏ الخروج إلى قتال العدوّ ونحوه من الأعمال الصّالحة بدعوةٍ من الإمام أو غيره أو للحاجة إلى ذلك‏.‏ ولكن غلب استعماله عند الفقهاء في قتال العدوّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة به

الاستنجاد‏:‏

3 - الاستنجاد‏:‏ وهو طلب العون من الغير‏.‏ يقال‏:‏ استنجده فأنجده، أي استعان به فأعانه‏.‏

الحكم الإجمالي

4 - لا خلاف بين المسلمين في أنّ الخروج إلى الجهاد فرضٌ، منذ شرع بعد الهجرة، واختلفوا في نوع الفرضيّة في عهده صلى الله عليه وسلم فذهب الشّافعيّة في أصحّ القولين عندهم إلى أنّ النّفير كان فرض كفايةٍ في عهده صلى الله عليه وسلم‏.‏ أمّا كونه فرضاً فبالإجماع، وأمّا كونه على الكفاية فلقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه‏}‏، إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكلاًّ وعد اللّه الحسنى‏}‏‏.‏ ووجه الاستدلال‏:‏ أنّ الحقّ تبارك وتعالى فاضل بين القاعدين والمجاهدين في سبيل اللّه، ثمّ وعد كليهما الحسنى‏.‏ والعاصي لا يوعد بها، ولا يفاضل بين مأجورٍ ومأزورٍ، فكانوا غير عاصين بقعودهم‏.‏ وقيل‏:‏ كان النّفير في عهده صلى الله عليه وسلم فرض عينٍ، فلم يكن لأحدٍ من غير المعذورين أن يتخلّف عنه، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلاّ تنفروا يعذّبكم عذاباً أليماً‏}‏‏.‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏انفروا خفافاً وثقالاً‏}‏‏.‏ وقالوا‏:‏ إنّ القاعدين المشار إليهم بآية سورة النّساء كانوا حرّاساً على المدينة، وهو نوعٌ من الجهاد‏.‏ وهناك أقوالٌ أخرى‏:‏ يرجع إليها في مصطلح‏:‏ ‏(‏جهادٌ‏)‏‏.‏

أمّا بعد عهده صلى الله عليه وسلم فللعدوّ حالتان‏:‏

5 - أن يكون في بلاده مستقرّاً، ولم يقصد إلى شيءٍ من بلاد المسلمين، ففي هذه الحالة‏:‏ اتّفق جمهور الفقهاء على أنّ النّفير فرض كفايةٍ، إذا قام به فريقٌ من النّاس مرّةً في السّنة سقط الحرج عن الباقين، أمّا الفرضيّة فلقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم‏}‏‏.‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم «الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة»‏.‏

وأمّا كونه على الكفاية فلأنّه لم يفرض لذاته وإنّما فرض لإعزاز دين اللّه وإعلاء كلمة الحقّ، ودفع الشّرّ عن العباد، فإذا حصل المقصود بالبعض سقط الحرج عن الباقين، بل إذا أمكنه أن يحصل بإقامة الدّليل والدّعوة بغير جهادٍ كان أولى من الجهاد، فإن لم يقم به أحدٌ أثم الجميع بتركه‏.‏

6 - أمّا إذا دهم العدوّ بلداً من بلاد الإسلام، فإنّه يجب النّفير على جميع أهل هذا البلد، ومن بقربهم وجوباً عينيّاً، فلا يجوز لأحدٍ أن يتخلّف عنه، حتّى الفقير، والولد، والعبد، والمرأة المتزوّجة بلا إذنٍ من‏:‏ الأبوين، والسّيّد، والدّائن، والزّوج‏.‏ فإن عجز أهل البلد ومن بقربهم عن الدّفاع فعلى من يليهم، إلى أن يفترض على جميع المسلمين فرض عينٍ كالصّلاة تماماً على هذا التّدريج‏.‏

7 - وكذلك يكون النّفير فرض عينٍ على كلّ من يستنفر ممّن له حقّ الاستنفار كالإمام أو نوّابه، ولا يجوز لأحدٍ أن يتخلّف إذا دعاه داعي النّفير، إلاّ من منعه الإمام من الخروج، أو دعت الحاجة إلى تخلّفه لحفظ الأهل أو المال، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيّها الّذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثّاقلتم‏}‏‏.‏

النّفير من منًى‏:‏

8 - يجوز للحاجّ أن ينفر قبل الغروب من اليوم الثّاني من أيّام التّشريق بعد الرّمي عند الشّافعيّة، والحنابلة، ومن اليوم الثّالث من أيّام التّشريق عند الحنفيّة، فإن لم ينفر حتّى غربت شمس اليوم الثّالث كره له أن ينفر حتّى يرمي في اليوم الرّابع، ولا شيء عليه إن نفر وقد أساء، وقيل‏:‏ إنّه عليه دمٌ‏.‏ وأمّا لو نفر بعد طلوع فجر الرّابع لزمه دم هذا عند الحنفيّة‏.‏ أمّا عند الأئمّة الثّلاثة‏:‏ فإنّه يجب عليه دمٌ إذا نفر بعد غروب شمس اليوم الثّاني من أيّام التّشريق‏.‏ كما صرّح الشّافعيّة بأنّه يجب عليه دمٌ لو نفر بعد المبيت، وقبل الرّمي، ولو نفر قبل الغروب ثمّ عاد إلى منًى مارّاً أو زائراً ولو بعد الغروب لم يجب عليه مبيت تلك اللّيلة ولا رمي يومها‏.‏ والتّفصيل في ‏(‏الحجّ‏)‏‏.‏

مواطن البحث‏:‏

يذكره الفقهاء في باب‏:‏ الجهاد، وفي الحجّ‏:‏ المبيت بمزدلفة‏.‏

استنقاءٌ

انظر‏:‏ استنجاءٌ‏.‏

استنكاحٌ

التعريف‏:‏

1 - في المصباح‏:‏ استنكح بمعنى نكح، وفي تاج العروس وأساس البلاغة‏:‏ ومن المجاز استنكح النّوم عينه غلبها‏.‏ وفقهاء المالكيّة فقط هم الّذين يعبّرون بهذا اللّفظ عن معنى الغلبة مسايرين المعنى اللّغويّ فيقولون‏:‏ استنكحه الشّكّ أي اعتراه كثيراً‏.‏

وبقيّة الفقهاء يعبّرون عن ذلك بغلبة الشّكّ أو كثرته بحيث يصبح عادةً له‏.‏

الحكم الإجمالي

2 - فسّر المالكيّة الشّكّ المستنكح بأنّه الّذي يعتري صاحبه كثيراً، بأن يأتي كلّ يومٍ ولو مرّةً، فمن استنكحه الشّكّ في الحدث بأن شكّ هل أحدث أم لا بعد وضوئه‏؟‏ فلا ينتقض الوضوء لما فيه من الحرج، وأمّا لو أتي يوماً بعد يومٍ فينقض، لأنّه ليس بغالبٍ، ولا حرج في التّوضّؤ به على المشهور من المذهّب‏.‏ وانظر ‏(‏شكٌّ‏)‏‏.‏

ومن استنكحه خروج المذي أو الودي أو غيرهما ففي الحكم تيسيرٌ ينظر في ‏(‏سلسٌ‏)‏‏.‏

مواطن البحث

3 - الشّكّ الغالب يرد ذكره في كثيرٍ من مسائل الفقه كالوضوء، والغسل، والتّيمّم، وإزالة النّجاسة، والصّلاة، والطّلاق، والعتاق، وغير ذلك‏.‏

وتنظر في مواضعها وفي مصطلح ‏(‏شكٌّ‏)‏‏.‏

استهزاءٌ

انظر‏:‏ استخفافٌ‏.‏

استهلاكٌ

التعريف

1 - الاستهلاك لغةً‏:‏ هلاك الشّيء وإفناؤه، واستهلك المال‏:‏ أنفقه وأنفده‏.‏ واصطلاحاً، كما يفهم من عبارة بعض الفقهاء‏:‏ هو تصيير الشّيء هالكاً أو كالهالك كالثّوب البالي، أو اختلاطه بغيره بصورةٍ لا يمكن إفراده بالتّصرّف كاستهلاك السّمن في الخبز‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الإتلاف‏:‏

2 - الإتلاف هو‏:‏ إفناء عين الشّيء وإذهابٌ لها بالكلّيّة، فهو أخصّ من الاستهلاك، لأنّ عين الشّيء قد تفنى وقد تبقى مع خروجه عن الانتفاع الموضوع له عادةً‏.‏ انظر مصطلح ‏(‏إتلافٌ‏)‏‏.‏

ما يكون به الاستهلاك

3 - ممّا يكون به الاستهلاك‏:‏

أ - تفويت المنافع الموضوعة المقصودة من العين بحيث يصير كالهالك مع بقاء العين، كتخريق الثّوب، وتنجيس الزّيت إن لم يمكن تطهيره‏.‏

ب - تعذّر وصول المالك إلى حقّه في العين لاختلاطه بحيث يتعذّر تمييزه عن غيره، كما إذا خلط اللّبن بالماء، أو الزّيت بالشّيرج‏.‏

أثر الاستهلاك

4 - يترتّب على الاستهلاك الواقع من الغير زوال ملك المالك عن العين المستهلكة، فهو يمنع الاسترداد ويوجب الضّمان بالمثل أو القيمة للمالك‏.‏

ويثبت الملك للغاصب بالضّمان، وهذا عند الحنفيّة، والمذهب عند الشّافعيّة‏.‏

استهلالٌ

التعريف

1 - الاستهلال لغةً‏:‏ مصدر استهلّ، واستهلّ الهلال ظهر، واستهلال الصّبيّ أن يرفع صوته بالبكاء عند ولادته، والإهلال رفع الصّوت بقول‏:‏ لا إله إلاّ اللّه، وأهلّ المحرم بالحجّ‏:‏ رفع صوته بالتّلبية‏.‏ والبحث هنا قاصرٌ على استهلال المولود‏.‏

ويختلف مراد الفقهاء بالاستهلال، فمنهم من قصره على الصّياح، وهم المالكيّة والشّافعيّة، وهو روايةٌ عن أحمد، ومنهم من ذهب إلى أوسع من ذلك وأراد به كلّ ما يدلّ على حياة المولود، من رفع صوتٍ، أو حركة عضوٍ بعد الولادة، وهم الحنفيّة‏.‏ ومنهم من فسّره بأنّه كلّ صوتٍ يدلّ على الحياة من صياحٍ، أو عطاسٍ، أو بكاءٍ، وهو رأيٌ للحنابلة‏.‏

والّذين قصروا الاستهلال على الصّياح لا يمنعون حصول حياة المولود الّذي مات دون صياحٍ، وإنّما يحكمون على حياته ببعض الأمارات الّتي تدلّ على الحياة بمفردها أو مع غيرها‏.‏ وسيشمل هذا البحث أحكام الاستهلال بمعناه الأعمّ، وهو اصطلاح الحنفيّة القائلين بتعدّد أمارات الحياة‏.‏

أمارات الحياة‏:‏

أ - الصّياح‏:‏

2 - يتّفق الفقهاء على أنّ الصّياح أمارةٌ يقينيّةٌ على الحياة، لكنّهم يختلفون في الحال الّتي يعتبر الصّياح فيها مؤثّراً، وقد يختلف ذلك من موطنٍ لآخر في المذهب الواحد‏.‏

ب - العطاس والارتضاع‏:‏

3 - العطاس والارتضاع من أمارات الاستهلال عند الحنفيّة، وهما في معناه عند الشّافعيّة، والمازريّ وابن وهبٍ من المالكيّة، وهو المذهب عند أحمد كذلك، فيثبت بهما حكم الاستهلال عندهم‏.‏ أمّا عند مالكٍ فلا عبرة بالعطاس، لأنّه قد يكون من الرّيح، وكذلك الرّضاع إلاّ أنّ الكثير من الرّضاع معتبرٌ، والكثير ما تقول أهل المعرفة‏:‏ إنّه لا يقع مثله إلاّ ممّن فيه حياةٍ مستقرّةٍ‏.‏

ج - التّنفّس‏:‏

4 - يأخذ التّنفّس حكم العطاس عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

د - الحركة‏:‏

5 - حركة المولود إمّا أن تكون طويلةً أو يسيرةً، وهي أعمّ من الاختلاج، إذ الاختلاج تحرّك عضوٍ، والحركة أعمّ من تحرّك عضوٍ أو تحرّك الجملة‏.‏

وللعلماء ثلاثة اتّجاهاتٍ في الحركة‏:‏

الأوّل‏:‏ الأخذ بها مطلقاً‏.‏

والثّاني‏:‏ عدم الاعتداد بها مطلقاً‏.‏

والثّالث‏:‏ الأخذ بالحركة الطّويلة دون اليسيرة‏.‏

هـ- الحركة الطّويلة‏:‏

6 – الحركة الطّويلة من الاستهلال عند الحنفيّة، عدا ابن عابدين، وفي معنى الاستهلال عند الشّافعيّة، وأحد رأيي المالكيّة، والمذهب عند أحمد أنّها في حكم الاستهلال كذلك‏.‏

أمّا المالكيّة في قولهم الآخر، وابن عابدين فإنّهم لا يعطونها حكم الاستهلال، سواءٌ أكانت طويلةً أم يسيرةً، لأنّ حركته كحركته في البطن، وقد يتحرّك المقتول،

وقيل بهذا عند الحنابلة‏.‏

و - الحركة اليسيرة‏:‏

7 - تأخذ الحركة اليسيرة حكم الاستهلال عند الحنفيّة، ولا يعتدّ بها عند المالكيّة اتّفاقاً، وكذلك الحنابلة، أمّا الشّافعيّة فمنهم من وافق الحنفيّة، ومنهم من وافق المالكيّة، ومنهم من تردّد، إذ لم يفرّق كثيرٌ من فقهاء الشّافعيّة بين الحركة الطّويلة والحركة اليسيرة، ومنهم من اشترط قوّة الحركة ولم يعتدّ بحركة المذبوح، لأنّها لا تدلّ على الحياة‏.‏

ز - الاختلاج‏:‏

8 - يأخذ الاختلاج حكم الحركة اليسيرة عند عامّة الفقهاء، إلاّ أنّ الشّافعيّة شهروا عدم إعطائه حكم الاستهلال‏.‏

إثبات الاستهلال

9 - ممّا يثبت به الاستهلال الشّهادة، وهي إمّا أن تكون بأقوال رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، وهو محلّ اتّفاقٍ، وإمّا أن تكون بشهادة النّساء وحدهنّ‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في العدد المجزي والمواطن المقبولة‏.‏

10 - والاستهلال من الأمور الّتي يطّلع عليها النّساء غالباً، لذلك يقبل الفقهاء - عدا الرّبيع من الشّافعيّة - شهادتهنّ عليه منفرداتٍ عن الرّجال‏.‏ إلاّ أنّهم اختلفوا في نصابها وفي المواطن الّتي تقبل شهادتهنّ فيها‏.‏

وتفصيل اتّجاهاتهم في نصاب شهادة النّساء كما يلي‏:‏

11 - يرى الإمام أبو حنيفة أنّه لا يقبل قول النّساء منفرداتٍ إلاّ في الصّلاة عليه لأنّه من أمر الدّين، وخبر المرأة الواحدة مجتهدٌ فيه‏.‏ أمّا غير الصّلاة كالميراث فلا يثبت الاستهلال بشهادة النّساء منفرداتٍ، ولا بدّ في ذلك من شهادة رجلين، أو رجلٍ وامرأتين‏.‏

وذهب الحنابلة وأبو يوسف ومحمّدٌ إلى أنّه يكفي شهادة المرأة الواحدة على الاستهلال إن كانت حرّةً مسلمةً عدلاً‏.‏«لما روي عن عليٍّ رضي الله عنه أنّه أجاز شهادة القابلة في الاستهلال»‏.‏ والعلّة فيه - كما في المبسوط - أنّ استهلال الصّبيّ يكون عند الولادة، وتلك حالةٌ لا يطّلع عليها الرّجال، وفي صوته من الضّعف عند ذلك ما لا يسمعه إلاّ من شهد تلك الحالة، وشهادة النّساء فيما لا يطّلع عليه الرّجل كشهادة الرّجال فيما يطّلعون عليه، ولهذا يصلّى عليه بشهادة النّساء، فكذلك يرث‏.‏

كما استدلّوا بحديث حذيفة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «أجاز شهادة القابلة على الولادة» وقال‏:‏ «شهادة النّساء جائزةٌ فيما لا يطّلع عليه الرّجال» والنّساء جنسٌ فيدخل فيه أدنى ما يتناوله الاسم‏.‏ وإنّما فرّق أبو حنيفة بين الصّلاة وبين الميراث، لأنّ الميراث من حقوق العباد فلا يثبت بشهادة النّساء‏.‏

12 - والمالكيّة، والإمام أحمد في روايةٍ أخرى عنه، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وأبو ثورٍ رأوا أنّه لا يقبل في الاستهلال أقلّ من امرأتين، قالوا‏:‏ لأنّ المعتبر في الشّهادة شيئان‏:‏ العدد والذّكورة، وقد تعذّر اعتبار أحدهما وهو الذّكورة هنا، ولم يتعذّر اعتبار العدد فبقي معتبراً كسائر الشّهادات‏.‏

شهادة الثّلاث

13 - يرى عثمان البتّيّ أنّه لا يقبل في الاستهلال أقلّ من ثلاث نساءٍ، والوجه عنده أنّ كلّ موضعٍ قبلت فيه شهادة النّساء كان العدد ثلاثةً، وهو شهادة رجلٍ وامرأتين، كما لو كان معهنّ رجلٌ‏.‏

14 - ولا يقبل الشّافعيّة وهو قول عطاءٍ والشّعبيّ وقتادة وأبي ثورٍ في الشّهادة على الاستهلال أقلّ من أربعٍ من النّسوة، لأنّ كلّ امرأتين تقومان مقام رجلٍ واحدٍ، فقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «شهادة امرأتين شهادة رجلٍ واحدٍ»‏.‏

15 - أمّا شهادة الرّجال فقد اتّفق الفقهاء على جواز شهادة الرّجلين على الاستهلال ونحوه، واختلفوا في جواز شهادة الرّجل الواحد‏.‏ فأجازها أبو يوسف ومحمّدٌ من الحنفيّة، وهو مذهب الحنابلة، وحجّتهم في ذلك‏:‏ أنّ الرّجل أكمل من المرأة، فإذا اكتفي بها وحدها فلأن يكتفى به أولى، ولأنّ ما قبل فيه قول المرأة الواحدة يقبل فيه قول الرّجل الواحد كالرّواية‏.‏ وأمّا بقيّة الفقهاء فيمنعونها، لما تقدّم في شهادة النّساء‏.‏

تسمية المستهلّ

16 - يسمّى المولود إن استهلّ ولو مات عقب ذلك، وهو مذهب الحنفيّة، والشّافعيّة، والحنابلة، وابن حبيبٍ من المالكيّة، إلاّ أنّ التّسمية لازمةٌ عند الحنفيّة، ومندوبةٌ عند غيرهم، لما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «سمّوا أسقاطكم فإنّهم أسلافكم» رواه ابن السّمّاك بإسناده، قيل‏:‏ إنّهم يسمّون ليدعوا يوم القيامة بأسمائهم، فإن لم يعلم للسّقط ذكورةٌ ولا أنوثةٌ سمّي باسمٍ يصلح لهما، وقال الحنفيّة‏:‏ إنّ في تسمية المستهلّ إكراماً له لأنّه من بني آدم، ويجوز أن يكون له مالٌ يحتاج أبوه إلى أن يذكر اسمه عند الدّعوى به‏.‏ أمّا القول الآخر للمالكيّة، ونسب إلى مالكٍ فهو أنّ من مات ولده قبل السّابع فلا تسمية عليه‏.‏

غسل المستهلّ إذا مات، والصّلاة عليه، ودفنه

17 - موت المستهلّ إمّا أن يكون قبل الانفصال أو بعده، فإن كان بعده فإنّه يلزم فيه ما يلزم في الكبير، قال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على أنّ الطّفل إذا عرفت حياته واستهلّ يصلّى عليه‏.‏ أمّا بعد الانفصال فإن كان خرج معظمه، فإنّه يصلّى عليه عند الحنفيّة، وقيّده في شرح الدّرّ بما إذا انفصل تامّ الأعضاء‏.‏ ويصلّى عليه أيضاً عند الشّافعيّة، إن صاح بعد الظّهور، وكذلك إن ظهرت أمارات الحياة الأخرى غير الصّياح في الأظهر، ولا أثر للاستهلال وعدمه في غسل الميّت والصّلاة عليه عند الحنابلة، إذ يوجبون غسل السّقط والصّلاة عليه إذا نزل لأربعة أشهرٍ سواءٌ استهلّ أم لا‏.‏ وكره المالكيّة غسل الطّفل والصّلاة عليه ما لم يستهلّ صارخاً بعد نزوله‏.‏ وأمّا الدّفن فإنّ الجنين إذا بلغ أربعة أشهرٍ يجب دفنه، كما صرّح به الشّافعيّة، وإن كان لم يبلغها يسنّ ستره بخرقةٍ ودفنه‏.‏

استهلال المولود وأثره في إرثه

18 - الجنين إذا استهلّ بعد تمّام انفصاله - على الاختلاف السّابق في المراد بالاستهلال - فإنّه يرث ويورث بالإجماع، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا استهلّ المولود ورث»‏.‏ وقوله‏:‏ «الطّفل لا يصلّى عليه، ولا يرث، ولا يورث حتّى يستهلّ» وكذا لو خرج ميّتاً ولم يستهلّ فالاتّفاق على أنّه لا يورث ولا يرث‏.‏ وأمّا لو استهلّ بعد خروج بعضه ثمّ مات قبل تمام انفصاله، فعند المالكيّة، وأكثر الشّافعيّة، والحنابلة لا يرث ولا يورث‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ يرث ويورث إن استهلّ بعد خروج أكثره، لأنّ الأكثر له حكم الكلّ، فكأنّه خرج كلّه حيّاً‏.‏ وقال القفّال من الشّافعيّة‏:‏ إن خرج بعضه حيّاً ورث‏.‏

الجناية على الجنين إذا مات بعد استهلاله

19 - الجناية على المستهلّ إمّا أن تكون قبل الانفصال أو بعده، والّتي قبله إمّا أن تكون قبل ظهوره أو بعده‏.‏

حكمها قبل الظّهور

20 - إن تعمّد الجاني ضرب الأمّ فخرج الجنين مستهلاًّ، ثمّ مات بسبب الاعتداء على الأمّ ففيه ديةٌ كاملةٌ، سواءٌ أكانت الأمّ حيّةً أم ميّتةً‏.‏ وهذا باتّفاق المذاهب، غير أنّ المالكيّة اشترطوا قسامة أوليائه حتّى يأخذوا الدّية، قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم أنّ في الجنين يسقط حيّاً من الضّرب ديةٌ كاملةٌ، وكذلك الحال إن تعمّد قتل الجنين بضرب أمّه على ظهرها أو بطنها أو رأسها عند الأئمّة الثّلاثة‏.‏

أمّا المالكيّة، فقد اختلفوا في الواجب في هذه الجناية، فأشهب قال‏:‏ لا قود فيه، بل تجب الدّية في مال الجاني بقسامةٍ، قال ابن الحاجب‏:‏ وهو المشهور‏.‏

وقال ابن القاسم‏:‏ يجب القصاص بقسامةٍ، قال في التّوضيح‏:‏ وهو مذهب المدوّنة‏.‏

حكمها بعد الظّهور

21 - إن ظهر الجنين ثمّ صاح، ثمّ جنى جانٍ عليه عمداً فالأصحّ أنّ فيه القصاص عند الشّافعيّة والحنابلة‏.‏ وعند الحنفيّة إن ظهر أغلبه‏.‏ وفي الفتاوى الهنديّة‏:‏ فإن كان ذبحه رجلٌ حالماً يخرج رأسه فعليه الغرّة لأنّه جنينٌ، وإن قطع أذنه وخرج حيّاً ثمّ مات فعليه الدّية‏.‏ ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة والحنابلة الاعتبار بالانفصال التّامّ‏.‏

الجناية بعد الانفصال

22 - قتل المستهلّ بعد الانفصال كقتل الكبير، فيه القصاص أو الدّية‏.‏ وكذلك إن انفصل بجنايةٍ وبه حياةٌ مستقرّةٌ فقتله جانٍ آخر‏.‏ أمّا إن نزل في حالةٍ لا يحتمل أن يعيش معها، وقتله شخصٌ آخر فإنّ الضّامن هو الأوّل، ويعزّر الثّاني‏.‏

الاختلاف في استهلال المجنيّ عليه

23 - عند التّنازع في خروجه حيّاً يراعى قول الضّارب عند الحنفيّة، والمالكيّة، وعلى هذا الشّافعيّة، والحنابلة في أحد قوليهم وهو المذهّب لكن مع اليمين، لأنّ الأصل نزول الولد غير مستهلٍّ، فمدّعى عدم الاستهلال لا يحتاج إلى إثباته، ومدّعيه يحتاج إلى إثباته‏.‏ والقول الثّاني عند الحنابلة‏:‏ أنّ المعتبر قول الوليّ‏.‏

استواءٌ

التعريف

1 - من معاني الاستواء في اللّغة‏:‏ المماثلة والاعتدال‏.‏ وقد استعمله الفقهاء بالمعنى اللّغويّ مطلقاً بمعنى المماثلة كما في قولهم‏:‏ إذا استوى اثنان في الدّرجة والإدلاء استويا في الميراث‏.‏ وبمعنى الاعتدال كقولهم في الصّلاة‏:‏ إذا رفع المصلّي رأسه من الرّكوع استوى قائماً‏.‏ واستعملوه مقيّداً بالوقت فقالوا‏:‏ وقت الاستواء أي استواء الشّمس قاصدين وقت قيام الشّمس في كبد السّماء، لأنّها قبل ذلك مائلةٌ غير مستقيمةٍ‏.‏

الحكم الإجماليّ، ومواطن البحث

2 - تكره صلاة النّافلة وقت استواء الشّمس عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، لما روى عقبة بن عامرٍ قال‏:‏ «ثلاث ساعاتٍ كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلّي فيهنّ، وأن نقبر فيهنّ موتانا‏:‏ حين تطلع الشّمس بازغةً حتّى ترتفع، وحين يقوم قائم الظّهيرة حتّى تميل الشّمس، وحين تضيف الشّمس للغروب حتّى تغرب» ولا يكره ما له سببٌ كسجود التّلاوة وصلاة الجنازة، وفي روايةٍ أخرى للحنابلة الكراهة مطلقاً‏.‏

ويزيد الحنفيّة على ذلك النّهي عن الفرض، وعن سجدة التّلاوة، وصلاة الجنازة في هذا الوقت‏.‏ أمّا المالكيّة فلم يرد ذكرٌ لمنع الصّلاة عندهم في هذا الوقت في المشهور كما قال ابن جزيٍّ‏.‏ وللفقهاء تفصيلٌ في ذلك ينظر في أوقات الصّلوات‏.‏

استياكٌ

التعريف

1 - الاستياك لغةً‏:‏ مصدر استاك‏.‏ واستاك‏:‏ نظّف فمه وأسنانه بالسّواك، ومثله تسوّك‏.‏ ويقال‏:‏ ساك فمه بالعود يسوكه سوكاً إذا دلكه به‏.‏ ولفظ السّواك يطلق ويراد به الفعل، ويطلق ويراد به العود الّذي يستاك به، ويسمّى أيضاً المسواك‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن ذلك‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

تخليل الأسنان‏:‏

2 - هو إخراج ما بينهما من فضلاتٍ بالخلال، وهو عودٌ أو نحوه وفي الحديث‏:‏ «رحم اللّه المتخلّلين من أمّتي في الضّوء والطّعام» فالفرق بينه وبين الاستياك‏:‏ أنّ التّخليل خاصٌّ بإخراج ما بين الأسنان، أمّا السّواك فهو لتنظيف الفم والأسنان بنوعٍ من الدّلك‏.‏

حكمة مشروعيّة السّواك

3 - السّواك سببٌ لتطهير الفم، موجبٌ لمرضاة الرّبّ‏.‏ لحديث عائشة رضوان اللّه عليها عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «السّواك مطهرةٌ للفم، مرضاةٌ للرّبّ» حديثٌ صحيحٌ‏.‏

حكمه التّكليفي

4 - يعتري الاستياك أحكامٌ ثلاثةٌ‏:‏

الأوّل‏:‏ النّدب، وهو القاعدة العامّة عند فقهاء المذاهب الأربعة، حتّى حكى النّوويّ إجماع من يعتدّ برأيهم من العلماء عامّةً على ذلك، لحديث أبي هريرة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسّواك عند كلّ صلاةٍ» قال الشّافعيّ‏:‏ لو كان واجباً لأمرهم به، شقّ أو لم يشقّ، وفي الحديث أيضاً «السّواك مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرّبّ» ولمواظبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليه حتّى في النّزع، وتسميته إيّاه من خصال الفطرة‏.‏

الثّاني‏:‏ الوجوب، وبه قال إسحاق بن راهويه، فقد رأى أنّ الأصل في الاستياك الوجوب لا النّدب، واحتجّ لذلك بظاهر الأمر في الحديث «أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالوضوء لكلّ صلاةٍ، طاهراً أو غير طاهرٍ، فلمّا شقّ ذلك عليه أمر بالسّواك لكلّ صلاةٍ»‏.‏

الثّالث‏:‏ الكراهة، إذا استاك في الصّيام بعد الزّوال عند الشّافعيّة، وهو الرّواية الأخرى للحنابلة، وأبي ثورٍ وعطاءٍ، لحديث الخلوف الآتي‏.‏ ومذهب الحنفيّة والمالكيّة والرّواية الأخرى للحنابلة أنّ حكمه في حال الصّوم وعدمه سواءٌ، أخذاً بعموم أدلّة السّواك،

والّذي اختاره بعض أئمّة الشّافعيّة - بعد نظرٍ في الأدلّة - أنّ السّواك لا يكره بعد الزّوال، لأنّ عمدة الّذين يقولون بالكراهة حديث الخلوف ولا حجّة فيه، لأنّ الخلوف من خلوّ المعدة، والسّواك لا يزيله، وإنّما يزيل وسخ الأسنان‏.‏ قاله الأذرعيّ‏.‏

الاستياك في الطّهارة‏:‏ الوضوء

5 - اتّفقت المذاهب الأربعة على أنّ السّواك سنّةٌ عند الوضوء،

واختلفوا هل هو من سنن الوضوء أم لا‏؟‏ على رأيين‏:‏

الأوّل‏:‏ قال الحنفيّة، والمالكيّة، وهو رأيٌ للشّافعيّة‏:‏ الاستياك سنّةٌ من سنن الوضوء، لما رواه أبو هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسّواك مع كلّ وضوءٍ» وفي روايةٍ «لفرضت عليهم السّواك مع كلّ وضوءٍ»‏.‏ الثّاني‏:‏ قال الحنابلة، وهو الرّأي الأوجه عند الشّافعيّة‏:‏ السّواك سنّةٌ خارجةٌ عن الوضوء متقدّمةٌ عليه وليست منه‏.‏ ومدار الحكم عندهم على محلّه، فمن قال إنّه قبل التّسمية قال، إنّه خارجٌ عن الوضوء، ومن قال بعد التّسمية، قال بسنّيّته للوضوء‏.‏

التّيمّم والغسل

6 - يستحبّ الاستياك عند التّيمّم والغسل، ويكون محلّه في التّيمّم عند ابتداء الضّرب، وفي الغسل عند البدء فيه‏.‏

الاستياك للصّلاة

7 - في الاستياك للصّلاة ثلاثة اتّجاهاتٍ‏:‏

الأوّل، وهو قولٌ للشّافعيّة‏:‏ يتأكّد الاستياك عند كلّ صلاةٍ فرضها ونفلها، وإن سلّم من كلّ ركعتين وقرب الفصل، ولو نسيه سنّ له قياساً تداركه بفعلٍ قليلٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصّحيح «لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسّواك عند كلّ صلاةٍ، أو مع كلّ صلاةٍ»‏.‏

الثّاني‏:‏ لا يسنّ الاستياك للصّلاة، بل للوضوء، وهو رأيٌ للحنفيّة، فلو أتى به عند الوضوء لا يسنّ له أن يأتي به عند الصّلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم «لأمرتهم بالسّواك مع كلّ وضوءٍ»

الثّالث‏:‏ يندب الاستياك لصلاة فرضٍ أو نفلٍ بعدت من الاستياك للعرف، فلا يندب أن يستاك لكلّ صلاةٍ ما لم يبعد ما بينهما عن الاستياك، وهو قول المالكيّة، وروايةٌ عند الحنفيّة‏.‏

الاستياك للصّائم

8 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا بأس بالاستياك للصّائم أوّل النّهار، واختلفوا في الاستياك للصّائم بعد الزّوال على ما تقدّم‏.‏

السّواك عند قراءة القرآن والذّكر

9 - ينبغي لقارئ القرآن إذا أراد القراءة أن ينظّف فمه بالسّواك‏.‏ ويستحبّ كذلك عند قراءة حديثٍ أو علمٍ‏.‏

كما يستحبّ الاستياك عند سجدة التّلاوة، ومحلّه بعد فراغ القراءة لآية السّجدة وقبل الهويّ للسّجود‏.‏ وهذا إذا كان خارج الصّلاة، أمّا إذا كان في الصّلاة فلا، لانسحاب سواك الصّلاة عليها، وكذلك القراءة‏.‏

ويستحبّ إزالة الأوساخ وقلح الفم بالسّواك عند ذكر اللّه تعالى، لأنّ الملائكة تحضر مجالس الذّكر، وتتأذّى ممّا يتأذّى منه بنو آدم، ولذلك استحبّ الفقهاء استياك المحتضر عند الموت، وقالوا‏:‏ إنّه يسهّل خروج الرّوح، لنفس العلّة‏.‏

ويستحبّ كذلك الاستياك عند قيام اللّيل، لما روى حذيفة قال‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا قام من اللّيل يشوص فاه بالسّواك»‏.‏ ولما رواه مسلمٌ عن ابن عبّاسٍ وعائشة من الأحاديث في هذا الباب‏.‏

مواضع أخرى لاستحباب الاستياك

10 - يستحبّ الاستياك لإذهاب رائحة الفم وترطيبه، وإزالة صفرة الأسنان قبل الاجتماع بالنّاس لمنع التّأذّي، وهذا من تمام هيئة المسلم، وكذلك يستحبّ في مواطن أخرى، مثل دخول المسجد، لأنّ هذا من تمام الزّينة الّتي أمر اللّه سبحانه وتعالى بها عند كلّ مسجدٍ، ولما فيه من حضور الملائكة واجتماع النّاس، وكذلك عند دخول المنزل للالتقاء بالأهل والاجتماع بهم، لما روى مسلمٌ عن «عائشة رضي الله عنها حينما سئلت بأيّ شيءٍ يبدأ الرّسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا دخل بيته قالت‏:‏ كان إذا دخل بيته بدأ بالسّواك»‏.‏ ويستحبّ كذلك عند النّوم، والجماع، وأكل ما له رائحةٌ كريهةٌ، وتغيّر الفم بعطشٍ أو جوعٍ، أو غيرهما، أو قيامٍ من نومٍ، أو اصفرار سنٍّ، وكذلك لإرادة أكلٍ أو فراغٍ منه‏.‏ على أنّ السّواك مستحبٌّ في جميع الأوقات من ليلٍ أو نهارٍ، لأنّه مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرّبّ كما ورد في الحديث‏.‏

ما يستاك به

11 - يستاك بكلّ عودٍ لا يضرّ، وقد قسّمه الفقهاء بحسب أفضليّته إلى أربعة أقسامٍ‏:‏

الأوّل‏:‏ اتّفق فقهاء المذاهب الأربعة على أنّ أفضله جميعاً‏:‏ الأراك، لما فيه من طيبٍ وريحٍ وتشعيرٍ يخرج وينقّي ما بين الأسنان‏.‏ ولحديث «أبي خيرة الصّباحيّ رضي الله عنه قال‏:‏ كنت في الوفد، يعني وفد عبد القيس الّذين وفدوا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأمر لنا بأراكٍ فقال‏:‏ استاكوا بهذا» ولأنّه آخر سواكٍ استاك به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وللاتّباع سواءٌ كان العود طيّباً أم لا‏.‏ كما اقتضاه كلام الشّيخين النّوويّ والرّافعيّ‏.‏ الثّاني‏:‏ قال به المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، يأتي بعد الأراك في الأفضليّة‏:‏ جريد النّخل، لما روي«أنّه آخر سواكٍ استاك به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم»وقيل وقع الاستياك آخراً بالنّوعين، فكلٌّ من الصّحابيّين روى ما رأى‏.‏ ولم يتكلّم الحنفيّة على النّخل‏.‏

الثّالث‏:‏ الزّيتون‏.‏ وقد استحبّه فقهاء المذاهب الأربعة، لحديث «نعم السّواك الزّيتون من شجرةٍ مباركةٍ، تطيّب الفم وتذهب الحفر وهو سواكي وسواك الأنبياء قبلي»‏.‏

الرّابع‏:‏ ثمّ بما له رائحةٌ ذكيّةٌ ولا يضرّ‏.‏ قال الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة‏:‏ يستاك بقضبان الأشجار النّاعمة الّتي لا تضرّ، ولها رائحةٌ طيّبةٌ تزيل القلح كالقتادة والسّعد‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ يكره بكلّ ذي رائحةٍ ذكيّةٍ، ولم يقيّدوه بالضّرر‏.‏ ومثّلوا له بالرّيحان والرّمّان‏.‏

ما يحظر الاستياك به أو يكره

12 - يكره الاستياك بكلّ عودٍ يدمي مثل الطّرفاء والآس، أو يحدث ضرراً أو مرضاً مثل الرّيحان والرّمّان، لما روى الحارث في مسنده عن ضمير بن حبيبٍ قال «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن السّواك بعود الرّيحان وقال‏:‏ إنّه يحرّك عرق الجذام» ويعرف ذلك أهل الطّبّ، نصّوا على ذلك فقالوا‏:‏ يكره كلّ ما يقول الأطبّاء إنّ فيه فساداً‏.‏ ويحرم الاستياك بالأعواد السّامّة لإهلاكها أو شدّة ضررها‏.‏ وهذا لا يعلم فيه خلافٌ بين العلماء‏.‏ وفي حصول السّنّة بالاستياك بالمحظور قولان للشّافعيّة‏:‏

الأوّل‏:‏ إنّه محصّلٌ للسّنّة، لأنّ الكراهة والحرمة لأمرٍ خارجٍ، وحملوا الطّهارة على الطّهارة اللّغويّة ‏(‏أي النّظافة‏)‏‏.‏

الثّاني، وهو المعتمد عندهم‏:‏ لا تحصل به السّنّة، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «السّواك مطهرةٌ للفم»‏.‏ وهذا منجّسٌ بجرحه اللّثة وخروج الدّم، لخشونته‏.‏

صفات السّواك

13 - يسحب أن يكون الاستياك بعودٍ متوسّطٍ في غلظ الخنصر، خالٍ من العقد، لا رطباً يلتوي، لأنّه لا يزيل القلح ‏(‏وسخ الأسنان‏)‏ ولا يابساً يجرح اللّثة، ولا يتفتّت في الفم، والمراد أن يكون ليّناً، لا غاية في النّعومة، ولا في الخشونة‏.‏

السّواك بغير عودٍ

14 - أجاز بعض الفقهاء الاستياك بغير عودٍ، مثل الغاسول والأصبع، واعتبروه محصّلاً للسّنّة، ونفاه آخرون ولم يعتبروه‏.‏ والمسألة في الغاسول ‏(‏الأشنان‏)‏ على رأيين‏:‏ فالحنفيّة، والشّافعيّة‏:‏ أجازوا استعمال الغاسول في الاستياك، وقالوا‏:‏ إنّه محصّلٍ للمقصود ومزيلٌ للقلح، ويتأدّى به أصل السّنّة، وأجاز الحنفيّة العلك للمرأة بدل السّواك‏.‏ أمّا المالكيّة، والحنابلة فقالوا‏:‏ لو استعمل الغاسول عوضاً عن العيدان لم يأت بالسّنّة‏.‏

أمّا الاستياك بالأصبع ففيه ثلاثة أقوالٍ‏:‏

الأوّل‏:‏ تجزئ الأصبع في الاستياك مطلقاً، في رأيٍ لكلٍّ من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، لما روي عن «عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أنّه توضّأ فأدخل بعض أصابعه في فيه‏.‏‏.‏‏.‏ وقال‏:‏ هكذا كان وضوء نبيّ اللّه صلى الله عليه وسلم»‏.‏

الثّاني‏:‏ تجزئ الأصبع عند عدم وجود غيرها، وهو مذهب الحنفيّة، وهو رأيٌ آخر لكلٍّ من المالكيّة والشّافعيّة، لما رواه أنس بن مالكٍ رضي الله عنه «أنّ رجلاً من بني عمرو بن عوفٍ قال‏:‏ يا رسول اللّه إنّك رغّبتنا في السّواك، فهل دون ذلك من شيءٍ قال‏:‏ أصبعيك سواكٌ عند وضوئك، أمرّهما على أسنانك»‏.‏

الثّالث‏:‏ لا تجزئ الأصبع في الاستياك‏.‏ وهو رأيٌ ثالثٌ للشّافعيّة، والرّأي الآخر للحنابلة، وعلّلوا ذلك بأنّ الشّرع لم يرد به ولا يحصل الإنقاء به حصوله بالعود‏.‏

كيفيّة الاستياك

15 - يندب إمساك السّواك باليمنى، لأنّه المنقول عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما اتّفق عليه من حديث عائشة رضوان اللّه عليها قالت‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعجبه التّيامن في تنعّله وترجّله وطهوره، وفي شأنه كلّه» وفي روايةٍ «وسواكه»،«ثمّ يجعل الخنصر أسفل السّواك والأصابع فوقه، كما رواه ابن مسعودٍ عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم»‏.‏ ويبدأ من الجانب الأيمن ويمرّ به عرضاً أي عرض الأسنان، لأنّ استعماله طولاً قد يجرح اللّثة، لما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «استاكوا عرضاً وادّهنوا غبّاً» أي يوماً بعد يومٍ «واكتحلوا وتراً»‏.‏ ثمّ يمرّ به على أطراف الأسنان العليا والسّفلى ظهراً وبطناً، ثمّ على كراسيّ الأضراس، ثمّ على اللّثة واللّسان وسقف الحلق بلطفٍ‏.‏ ومن لا أسنان له يستاك على اللّثة واللّسان وسقف الحلق، لأنّ السّواك وإن كان معقول المعنى إلاّ أنّه ما عرى عن معنى التّعبّد، وليحصل له ثواب السّنّة‏.‏

وهذه الكيفيّة لا يعلم فيها خلافٌ‏.‏

آداب السّواك

16 - ذكر الفقهاء آداباً للمستاك يستحبّ اتّباعها، منها‏:‏

أ - يستحبّ ألاّ يستاك بحضرة الجماعة، لأنّه ينافي المروءة، ويتجنّب الاستياك في المسجد، وفي المجالس الحافلة خلافاً لابن دقيق العيد‏.‏

ب - ويستحبّ أن يغسل سواكه بعد الاستياك لتخليصه ممّا علق به، لحديث عائشة «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يستاك، فيعطيني السّواك لأغسله، فأبدأ به فأستاك، ثمّ أغسله وأدفعه إليه» كما يسنّ غسله للاستياك به مرّةً أخرى‏.‏

ج - ويستحبّ حفظ السّواك بعيداً عمّا يستقذر‏.‏

تكرار الاستياك، وبيان أكثره وأقلّه

17 - اتّفق الفقهاء على تكرار الاستياك حتّى يزول القلح، ويطمئنّ على زوال الرّائحة إذا لم يزل إلاّ بالتّكرار، لما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «إنّي لأستاك حتّى لقد خشيت أن أحفي مقادم فمي»‏.‏ واختلفوا في أقلّه على ثلاثة آراءٍ‏:‏

1 - أن يمرّ السّواك على أسنانه ثلاث مرّاتٍ‏.‏ وهو المستحبّ عند الحنفيّة، والأكمل عند الشّافعيّة للسّنّة في التّثليث، وليطمئنّ القلب بزوال الرّائحة واصفرار السّنّ‏.‏

2 - يكفي مرّةً واحدةً إذا حصل بها الإنقاء، وهو رأيٌ للشّافعيّة، وتحصل السّنّة الكاملة بالنّيّة‏.‏

3 - لا حدّ لأقلّه، والمراد هو زوال الرّائحة، فما زالت به الرّائحة حصلت به السّنّة، وهو روايةٌ للحنفيّة وقول المالكيّة، والحنابلة‏.‏

إدماء السّواك للفم

18 - إذا عرف أنّ من عادته إدماء السّواك لفمه استاك بلطفٍ، فإن أدمى بعد ذلك، كان الحكم على حالتين‏:‏

الأولى‏:‏ إن لم يجد ماءً وضاق الوقت عن الصّلاة حرم الاستياك خشية تنجيس فمه‏.‏

الثّانية‏:‏ إن وجد الماء واتّسع الوقت قبل الصّلاة لم يندب، بل يجوز لما فيه من المشقّة والحرج‏.‏

استيامٌ

انظر‏:‏ سومٌ‏.‏

استيداعٌ

انظر‏:‏ وديعةٌ‏.‏

استيطانٌ

انظر‏:‏ وطنٌ‏.‏

استيعابٌ

التعريف

1 - الاستيعاب في اللّغة‏:‏ الشّمول والاستقصاء والاستئصال في كلّ شيءٍ‏.‏ يقال في الأنف أوعب جدعه‏:‏ إذا قطعه كلّه ولم يبق منه شيئاً‏.‏

والفقهاء يستعملون الاستيعاب بهذا المعنى‏.‏ فيقولون‏:‏ استيعاب العضو بالمسح أو الغسل، ويعنون به شمول المسح أو الغسل كلّ، جزءٍ من أجزاء العضو‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الإسباغ‏:‏

2 - الإسباغ هو‏:‏ الإتمام والإكمال‏.‏ يقال‏:‏ أسبغ الوضوء إذا عمّ بالماء جميع الأعضاء بحيث يجري عليها، فالإسباغ والاستيعاب متقاربان‏.‏

ب - الاستغراق‏:‏

3 - الاستغراق هو‏:‏ الشّمول لجميع الأفراد دفعةً واحدةً، فالفرق بينه وبين الاستيعاب أنّ الاستغراق لا يستعمل إلاّ فيما له أفرادٌ بخلاف الاستيعاب‏.‏

الحكم الإجماليّ ومواطن البحث

يختلف الحكم التّكليفيّ للاستيعاب حسب مواطنه المختلفة في العبادات وغيرها‏.‏

أ - الاستيعاب الواجب‏:‏

4 - حيثما كان غسل اليدين أو الأعضاء في الطّهارة واجباً كان الاستيعاب واجباً فيه أيضاً، بخلاف ما وجب مسحه كالرّأس فلا يجب استيعابه على خلافٍ في ذلك‏.‏

ومن الواجب استيعاب الأوقات الّتي لا تسع من الأعمال غير ما عيّن لها كالصّوم يستوعب جميع الشّهر وجميع النّهار، وكمن نذر الاشتغال بالقرآن وعيّن كلّ ما بين المغرب والعشاء، يجب عليه استيعاب ذلك الوقت‏.‏ واستيعاب النّيّة للعبادة، فلا يصحّ إخلاء جزءٍ منها من النّيّة، لذلك وجب أن يقترن أوّل العبادة بالنّيّة، ثمّ لا تنقطع إلى آخر العمل، فإن انقطعت فسدت العبادة على خلافٍ وتفصيلٍ بين الفقهاء يرجع إليه في مصطلح ‏(‏نيّةٌ‏)‏‏.‏

ويستثنى من ذلك الحجّ والعمرة حيث لا يفسدهما انقطاع النّيّة‏.‏

واستيعاب النّصاب كلّ الحول مختلفٌ فيه، فبعضهم يرى اشتراطه لوجوب الزّكاة وبعضهم يكتفى في ذلك بتمامه في طرفي الحول‏.‏ انظر ‏(‏زكاةٌ‏)‏‏.‏

ب - الاستيعاب المندوب‏:‏

5 - منه استيعاب الرّأس بالمسح، فهو مندوبٌ عند الحنفيّة، والشّافعيّة، وهو روايةٌ عن أحمد، وواجبٌ عند المالكيّة، وروايةٌ أخرى عن أحمد‏.‏ وتفصيل ذلك في ‏(‏وضوءٌ‏)‏‏.‏ ومنه استيعاب المزكّي الأصناف الثّمانية في مصارف الزّكاة، والّذين قالوا باستحبابه قالوه خروجاً من خلاف الشّافعيّة، والقائلين بوجوبه‏.‏

6 - ومن خطاب الوضع إذا استوعب الإغماء أو الجنون يوماً كاملاً تسقط الصّلاة على خلافٍ موطن بيانه في مصطلحات ‏(‏صلاةٌ‏)‏، ‏(‏إغماءٌ‏)‏، ‏(‏جنونٌ‏)‏‏.‏

ج - الاستيعاب المكروه‏:‏

7 - يكره للإنسان استيعاب جميع ماله بالتّبرّع أو الصّدقات، وقد فصّل الفقهاء ذلك في كتاب الصّدقات‏.‏

استيفاءٌ

التعريف

1 - الاستيفاء‏:‏ مصدر استوفى، وهو أخذ صاحب الحقّ حقّه كاملاً، دون أن يترك منه شيئاً‏.‏ ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

القبض‏:‏

2 - قبض الدّين أخذه، وهو كما يكون في الدّيون يكون كذلك في الأعيان، فالقبض أعمّ من الاستيفاء‏.‏

علاقة الاستيفاء بالإبراء والحوالة

3 - من تقسيمات الإبراء عند الحنفيّة أنّه‏:‏ إمّا إبراء إسقاطٍ، أو إبراء استيفاءٍ، ففي الكفالة لو قال الدّائن للكفيل‏:‏ برئت إليّ من المال، كان إبراء استيفاء لكلٍّ من الكفيل والدّائن، أمّا لو قال‏:‏ أبرأتك، فإنّه يكون إبراء إسقاطٍ، يبرّأ به الكفيل فقط‏.‏

وتفصيله في مصطلح ‏(‏إبراءٌ‏)‏‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في ترجيح حقيقة الحوالة، هل هي بيعٌ أو استيفاءٌ‏؟‏ قال النّوويّ‏:‏ والتّرجيح مختلفٌ في الفروع بحسب المسائل، لقوّة الدّليل وضعفه، ومن أمثلة ذلك‏:‏ لو خرج المحال عليه مفلساً، وقد شرط يساره، فالأصحّ لا رجوع للمحال، بناءً على أنّها استيفاءٌ، ومقابله‏:‏ له الرّجوع بناءً على أنّها بيعٌ‏.‏

من له حقّ الاستيفاء

4 - يختلف من له حقّ الاستيفاء باختلاف الحقّ المراد استيفاؤه، إذ هو إمّا حقٌّ خالصٌ للّه سبحانه وتعالى، أو حقٌّ خالصٌ للعبد، كالدّيون، أو حقٌّ مشتركٌ‏.‏ وبعض الفقهاء يقسّم هذا الحقّ المشترك إلى قسمين‏:‏ ما غلب فيه حقّ اللّه كحدّ السّرقة، وما غلب فيه حقّ العبد كالقصاص‏.‏ والمراد بحقّ العبد المحض‏:‏ ما يملك إسقاطه، على معنى أنّه لو أسقطه لسقط، وإلاّ فما من حقٍّ للعبد إلاّ وفيه حقٌّ للّه تعالى، وهو أمره بإيصال ذلك الحقّ إلى مستحقّه، فيوجد حقٌّ للّه تعالى دون حقٍّ للعبد، ولا يوجد حقٌّ لعبدٍ إلاّ وفيه حقٌّ للّه تعالى‏.‏

استيفاء حقوق اللّه تعالى

أوّلاً‏:‏ استيفاء الحدود‏:‏

5 - يجب على وليّ الأمر إنفاذ الحدود، ولا يملك وليّ الأمر ولا غيره إسقاطها بعد ثبوتها لديه، والّذي يتولّى استيفاءها هو وليّ الأمر أو من ينيبه، فإن استوفاها غيره دون إذنه يعزّر لافتياته عليه‏.‏

أ - كيفيّة استيفاء حدّ الزّنا‏:‏

6 - حدّ الزّنا إمّا الرّجم، وإمّا الجلد‏:‏ وعلى كلٍّ فإمّا أن يكون الزّنا قد ثبت بالبيّنة أو بالإقرار، فإن كان قد ثبت بالبيّنة، فالحنفيّة يشترطون أن يحضر الشّهود، وأن يبدءوا بالرّجم، فإن امتنعوا سقط الحدّ‏.‏ وغير الحنفيّة لا يشترطون حضور الشّهود، إلاّ أنّ الشّافعيّة والحنابلة يرون حضورهم مستحبّاً، أمّا المالكيّة فلا يرون حضورهم واجباً ولا مستحبّاً‏.‏ والكلّ مجمعٌ في هذه الحالة على أنّه إن حاول الهرب لا يمكّن من ذلك، بل قال بعضهم بأنّه إن خيف هربه يقيّد أو يحفر له‏.‏ وإن كانت امرأةً يحفر لها، أو تربط عليها ثيابها حتّى لا تتكشّف‏.‏ وأمّا إن كان قد ثبت بالإقرار، فهم مجمعون على أنّه إن حاول الهرب لم يتّبع، ويوقف التّنفيذ، جلداً كان أو رجماً، ويعتبر ذلك رجوعاً عن إقراره‏.‏ وهناك تفصيلاتٌ وخلافٌ في بعض هذه الأحكام يرجع إليها في مصطلح ‏(‏حدّ الزّنا‏)‏‏.‏

وإذا كان الحدّ جلداً فالكلّ مجمعٌ على نزع ما يلبسه من حشوٍ أو فروٍ‏.‏

فإن كان رجلاً ينزع عنه ثيابه إلاّ ما يستر عورته، ثمّ إن كان المحدود بالجلد مريضاً مرضاً يرجى شفاؤه أرجئ التّنفيذ إلى أن يبرأ، وإن كان امرأةً حاملاً أرجئ الحدّ مطلقاً - رجماً أو جلداً - إلى أن تضع حملها، ويستغني ولدها عن الرّضاع منها‏.‏

ب - كيفيّة استيفاء حدّ القذف وحدّ شرب الخمر‏:‏

7 - سبق ما يتّصل بالجلد وحدّ الزّنا، على أنّه ينبغي في الجلد في حدّ الزّنا أن يكون أشدّ منه في حدّ القذف، وأن يكون في حدّ القذف أشدّ منه في حدّ شرب الخمر‏.‏

ويرجع في تفصيل ذلك إلى ‏(‏حدّ القذف‏)‏ ‏(‏وحدّ الخمر‏)‏‏.‏

هذا، وللفقهاء تفصيلاتٌ في آلة الاستيفاء في الجلد وملابساته، ترجع إلى تحقيق عدم تعريض المستوفى منه الحدّ إلى التّلف جزئيّاً أو كلّيّاً، وتفصيلات ذلك في الحدود‏.‏ وانظر أيضاً مصطلح ‏(‏جلدٌ‏)‏ ومصطلح ‏(‏رجمٌ‏)‏‏.‏ هذا، وقد صرّح الفقهاء بأنّ مبنى إقامة الحدود على العلانية، وذلك لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وليشهد عذابهما طائفةٌ من المؤمنين‏}‏ ولكي يحصل الرّدع والزّجر، فيأمر الإمام قوماً غير من يقيمون الحدّ بالحضور‏.‏

ج - كيفيّة استيفاء حدّ السّرقة‏:‏

8 - حدّ السّرقة من الحقوق المشتركة كحدّ القذف، ولا خلاف بين الفقهاء في أنّ الّذي يقيم حدّ القذف وحدّ السّرقة هو الإمام‏.‏

والتّفصيل في شروط ثبوت الحدود، وحالات سقوطها يذكر في أبواب الحدود‏.‏

أمّا كيفيّة الاستيفاء في حدّ السّرقة، فالفقهاء صرّحوا بأنّه إذا وجب القطع في حدّ السّرقة بشروطه المبيّنة في بابه، فإنّه يستوفى بقطع اليد اليمنى من مفصل الكفّ، بطريقة تؤمن معها السّراية، كالحسم بالزّيت أو غيره من الوسائل‏.‏ لحديث‏:‏ «اقطعوه ثمّ احسموه»‏.‏

د - مكان استيفاء الحدود‏:‏

9 - لا يستوفى حدٌّ ولا قصاصٌ في المسجد، حتّى لو وقعت الجناية فيه، لئلاّ يؤدّي ذلك إلى تلويثه، أمّا إذا وقعت الجناية في الحرم دون المسجد فالإجماع على أنّه يقتصّ منه فيه‏.‏ أمّا إذا وقعت في الحلّ ولجأ الجاني إلى الحرم، فقد اختلف فيه‏:‏ فذهب الحنابلة ومحمّدٌ إلى أنّه لا يخرج، بل يضطرّ للخروج بمنع الطّعام والشّراب عنه‏.‏ واستدلّوا بعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن دخله كان آمناً‏}‏‏.‏ وقال أبو يوسف‏:‏ يباح إخراجه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لا يؤخّر بل يقام عليه الحدّ أو القصاص خارج المسجد‏.‏

قال في نهاية المحتاج‏:‏ لخبر الصّحيحين «إنّ الحرم لا يعيذ فارّاً بدمٍ»‏.‏

ثانياً‏:‏ استيفاء التّعزيرات‏:‏

10 - التّعزيرات الّتي ترجع إلى حقّ اللّه تعالى، اختلف الفقهاء فيها، فقال مالكٌ‏:‏ وجب التّعزير لحقّ اللّه كالحدود، إلاّ أن يغلب على ظنّ الإمام أنّ غير الضّرب مصلحةٌ من الملامة والكلام‏.‏ وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه إذا كان منصوصاً من الشّارع على التّعزير وجب، وإلاّ فللإمام إقامته أو العفو عنه، حسب المصلحة وحصول الانزجار به أو بدونه،

وقال الشّافعيّة‏:‏ هو غير واجبٍ على الإمام، إن شاء أقامه وإن شاء تركه‏.‏ وينظر تفصيل هذا وأدلّته في مصطلح ‏(‏تعزيرٌ‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ استيفاء حقوق اللّه الماليّة‏:‏

أ - استيفاء الزّكوات‏:‏

11 - مال الزّكاة نوعان‏:‏ ظاهرٌ، وهو المواشي والزّروع والمال الّذي يمرّ به التّاجر على العاشر، وباطنٌ‏:‏ وهو الذّهب والفضّة، وأموال التّجارة في مواضعها‏.‏

وولاية أخذ الزّكاة في الأموال الظّاهرة للإمام في مذاهب‏:‏ الحنفيّة، والمالكيّة، وأحد قولي الشّافعيّة‏.‏ ودليل ذلك قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏خذ من أموالهم صدقةً‏}‏ والّذي عليه عامّة أهل التّأويل أنّ المراد بالصّدقة الزّكاة، وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها‏}‏ فقد جعل اللّه تعالى للعاملين عليها حقّاً ولو لم يكن للإمام أن يطالب أرباب الأموال بصدقات الأنعام والزّروع في أماكنها، وكان أداؤها إلى أرباب الأموال، لم يكن لذكر العاملين وجهٌ‏.‏ وكان الرّسول عليه الصلاة والسلام والأئمّة بعده يبعثون المصدّقين إلى أحياء العرب والبلدان والآفاق، لأخذ الصّدقات من الأنعام والمواشي في أماكنها‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إنّه يلحق بالأموال الظّاهرة المال الباطن إذا مرّ به التّاجر على العاشر، فله أن يأخذ منه الزّكاة في الجملة، لأنّه لمّا سافر به وأخرجه من العمران صار ظاهراً والتحق بالسّوائم، وهذا لأنّ الإمام إنّما كان له المطالبة بزكاة المواشي في أماكنها لمكان الحماية، لأنّ المواشي في البراريّ لا تصير محفوظةً إلاّ بحفظ السّلطان وحمايته، وهذا المعنى موجودٌ في مالٍ يمرّ به التّاجر على العاشر فكان كالسّوائم‏.‏ وعليه إجماع الصّحابة رضي الله عنهم‏.‏ وهذا الحكم ‏(‏دفع زكاة الأموال الظّاهرة إلى الأئمّة‏)‏ إذا كان الأئمّة عدولاً في أخذها وصرفها‏.‏ وإن كانوا غير عدولٍ في غير ذلك، وذلك مذهب المالكيّة، فإن طلبها الإمام العدل فادّعى المزكّي إخراجها لم يصدّق، والّذي في كتب الحنفيّة أنّ السّلاطين الّذين لا يضعون الزّكاة مواضعها إذا أخذوا الزّكاة أجزأت عن المزكّين، لأنّ ولاية الأخذ لهم، فلا تعاد‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ يسقط الخراج ولا تسقط الزّكوات‏.‏ ومؤدّى هذا أنّه إذا كان الإمام غير عادلٍ فللمزكّي إخراج زكاته‏.‏

والمنصوص عليه في مذهب الشّافعيّة‏.‏ أنّه إذا كان الإمام عدلاً ففيها قولان‏:‏ أحدهما أنّه محمولٌ على الإيجاب، وليس لهم التّفرّد بإخراجها، ولا تجزّئهم إن أخرجوها‏.‏

ومذهب الحنابلة لا يختلف عن الجمهور في الأموال الظّاهرة، أمّا في الأموال الباطنة فقد صرّح أبو يعلى بأنّه ليس لوالي الصّدقات نظرٌ في زكاتها، وأربابها أحقّ منه بإخراجها إلاّ أن يبذل ربّ المال زكاتها طوعاً، والمذهب أنّ للإمام طلب زكاة الأموال الباطنة أيضاً‏.‏ وإذا تأكّد الإمام أنّ أرباب الأموال لا يؤدّون زكاتها أجبرهم على إيتائها ولو بالقتال، كما فعل أبو بكرٍ رضي الله عنه بما يفي الزّكاة، وهذا إن كان الإمام يضعها موضعها، وإلاّ فلا يقاتلهم‏.‏

ب - استيفاء الكفّارات والنّذور‏:‏

12 - ليس للإمام ولاية استيفاء الكفّارات والنّذور، وإنّما يؤدّيها من وجبت عليه‏.‏

وعند الحنابلة يجوز للإمام طلب النّذر والكفّارة على الصّحيح من المذهب، وهذا هو مذهب الشّافعيّة في الكفّارة‏.‏

استيفاء حقوق العباد

أوّلاً‏:‏ استيفاء القصاص‏:‏

13 - استيفاء القصاص لا بدّ له من إذن الإمام، فإن استوفاه صاحب الحقّ بدون إذنه وقع موقعه، وعزّر لافتياته على الإمام‏.‏ ثمّ إنّ الّذي يستوفي القصاص فيما دون النّفس هو الإمام، وليس للأولياء ذلك، لأنّه لا يؤمن منهم التّجاوز أو التّعذيب‏.‏

أمّا إن كان القصاص في النّفس، فالجمهور على أنّ الوليّ هو الّذي يتولاّه، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً‏}‏‏.‏ وللحديث الّذي فيه‏:‏ «أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم دفع القاتل إلى أخ المقتول وقال له‏:‏ دونك صاحبك»‏.‏ رواه مسلمٌ‏.‏ وله أن يوكّل فيه، وإن كانوا أكثر من واحدٍ وكّلوا أحدهم‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الأصل تولّي الإمام أو من ينيبه ذلك، فإن طلب المستحقّ استيفاء القصاص بنفسه، ورآه الإمام أهلاً أجابه إلى ذلك، وإلاّ لم يجبه‏.‏ وتفصيل الكلام في هذه المسائل في مصطلح‏:‏ ‏(‏قصاصٌ‏)‏‏.‏ هذا، وقد صرّح الحنابلة بوجوب حضور الإمام أو نائبه، ليؤمن التّجاوز أو التّعذيب، وحضور القاضي الّذي حكم بالقصاص مسنونٌ عند الشّافعيّة‏.‏ وصرّح الحنفيّة بوجوب حضور صاحب الحقّ رجاء أن يعفو‏.‏

أ - كيفيّة استيفاء القصاص في النّفس‏:‏

14 - قال الحنفيّة، وهو روايةٌ عن الحنابلة‏:‏ إنّ القصاص لا يستوفى إلاّ بالسّيف، لقول النّبيّ عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا قود إلاّ بالسّيف»‏.‏ والقود هو القصاص، فكان هذا نفي استيفاء القصاص بغير السّيف‏.‏ وإن أراد الوليّ أن يقتل بغير السّيف لا يمكّن للحديث، ولو فعل يعزّر، لكن لا ضمان عليه، لأنّ القتل حقّه، فإذا قتله فقد استوفى حقّه بأيّ طريقٍ كان، إلاّ أنّه يأثم بالاستيفاء بطريقٍ غير مشروعٍ، لمجاوزته حدّ الشّرع‏.‏

وعند المالكيّة والشّافعيّة - وهو إحدى روايتين للحنابلة - أنّ القاتل يقتل بمثل ما قتل به، ودليله‏:‏ حديث «اليهوديّ الّذي رضّ رأس مسلمةٍ بين حجرين، فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يرضّ رأسه كذلك»‏.‏ وهذا إن ثبت القتل ببيّنةٍ أو اعترافٍ‏.‏

فإن ثبت بقسامةٍ قتل بالسّيف، إلاّ أن يقع القتل بما هو محرّمٌ‏.‏

ب - تأخير استيفاء القصاص‏:‏

15 - إذا كان وليّ الدّم واحداً أو أكثر، وكانوا جميعاً عقلاء بالغين حاضرين، وطلبوا الاستيفاء أجيبوا‏.‏ أمّا إذا كان وليّ الدّم واحداً صغيراً أو مجنوناً، فقد ذهب الشّافعيّة والحنابلة - وهو قولٌ للحنفيّة - إلى أنّه ينتظر البلوغ أو الإفاقة، لاحتمال العفو آنئذٍ‏.‏ وذهب المالكيّة إلى أنّه لا ينتظر، بل الاستيفاء لوليّ الصّغير، والقيّم على المجنون‏.‏ والقول الآخر للحنفيّة أنّ الّذي يستوفي القصاص في هذه الحال هو القاضي‏.‏

وللحنفيّة قولٌ ثالثٌ بأنّ الوليّ إذا كان أباً أو جدّاً يستوفي القصاص عن الصّغير، وليس ذلك للوصيّ‏.‏

أمّا إذا تعدّد أولياء الدّم وكان فيهم كبارٌ وصغارٌ، فقد ذهب الشّافعيّة وأبو يوسف - وهو روايةٌ عن أحمد - إلى أنّه ينتظر بلوغ الصّغير‏.‏ وذهب المالكيّة وأبو حنيفة - وهو الرّواية الثّانية عن أحمد - إلى أنّه يستوفيه الكبار‏.‏ أمّا إن كان بعض الأولياء غائبين فإنّ انتظارهم واجبٌ عند أبي حنيفة والشّافعيّ وأحمد، وفصّل المالكيّة فقالوا‏:‏ ينتظر الغائب إن كانت غيبته قريبةً دون الغائب غيبةً بعيدةً، وكذلك المجنون جنوناً غير مطبقٍ فإنّه ينتظر‏.‏

ج - وقت استيفاء القصاص فيما دون النّفس‏:‏

16 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه لا يقام القصاص فيما دون النّفس قبل برء المجروح، لحديث‏:‏ «لا يستقاد من الجراحة حتّى يبرأ»‏.‏ والشّافعيّة قالوا‏:‏ إنّه يقتصّ من الجاني على الفور‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏قصاصٌ‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ استيفاء حقوق العباد الماليّة

أ - استيفاء الحقّ من مال الغير بصفةٍ عامّةٍ‏:‏

17 - قال ابن قدامة‏:‏ إذا كان لرجلٍ على غيره حقٌّ، وهو مقرٌّ به باذلٌ له، لم يكن له أن يأخذ من ماله إلاّ ما يدليه بلا خلافٍ بين أهل العلم، فإن أخذ من ماله شيئاً بغير إذنه لزمه ردّه إليه، وإن كان قدر حقّه، لأنّه لا يجوز له أن يملك عليه عيناً من أعيان ماله بغير اختياره لغير ضرورةٍ، وإن كانت من جنس حقّه، لأنّه قد يكون للإنسان غرضٌ في العين، فإن أتلفه أو تلفت فصارت ديناً في ذمّته، وكان الثّابت في ذمّته من جنس حقّه تقاصّا في قياس المذهب‏.‏ والمشهور من مذهب الشّافعيّ، وإن كان المدين مانعاً لأداء الدّين لأمرٍ يبيح المنع كالتّأجيل والإعسار لم يجز أخذ شيءٍ من ماله بغير خلافٍ، وإن أخذ شيئاً لزمه ردّه إن كان باقياً، أو عوّضه إن كان تالفاً، ولا يحصل التّقاصّ هاهنا، لأنّ الدّين الّذي له لا يستحقّ أخذه في الحال بخلاف ما ذكر قبل‏.‏

وإن كان مانعاً له بغير حقٍّ، وقدر على استخلاصه بالحاكم أو السّلطان لم يجز له الأخذ أيضاً بغير السّلطان أو الحاكم، لأنّه قدر على استيفاء حقّه بمن يقوم مقامه، فأشبه ما لو قدر على استيفائه من وكيله‏.‏ وإن لم يقدر على ذلك لكونه جاحداً له، ولا بيّنة له به، أو لكونه لا يجيبه إلى المحاكمة ولا يمكنه إجباره على ذلك، أو نحو هذا، فالمشهور في المذهب أنّه ليس له أخذ قدر حقّه، وهو إحدى الرّوايتين عن مالكٍ‏.‏

قال ابن عقيلٍ‏:‏ وقد جعل أصحابنا المحدّثون لجواز الأخذ وجهاً في المذهب، أخذاً من حديث هندٍ حين قال لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»‏.‏ قال أبو الخطّاب‏:‏ ويتخرّج لنا جواز الأخذ، فإن كان المقدور عليه من جنس حقّه أخذ بقدره، وإن كان من غير جنسه تحرّى واجتهد في تقويمه، مأخوذٌ من حديث هندٍ، ومن قول أحمد في المرتهن ‏"‏ يركب ويحلب بقدر ما ينفق ‏"‏‏.‏ والمرأة تأخذ مئونتها وبائع السّلعة يأخذها من مال المفلس بغير رضاً‏.‏ واحتجّ من أجاز الأخذ بحديث هندٍ السّابق‏.‏

وقال الشّافعيّ‏:‏ إن لم يقدر على استخلاص حقّه بعينه فله أخذ قدر حقّه من جنسه، أو من غير جنسه، إن لم يخف الفتنة‏.‏ وإن كانت له بيّنةٌ وقدر على استخلاص حقّه فالمذهب عند الشّافعيّة‏:‏ أنّ له أخذ جنس حقّه من ماله، وكذا غير جنسه للضّرورة‏.‏

وفي قولٍ آخر‏:‏ المنع، لأنّه لا يتمكّن من تملّكه، وما كان كذلك لا بدّ فيه من التّراضي‏.‏

18 - هذا، وانفرد الشّافعيّة على المذهب أيضاً بأنّ لصاحب الحقّ أخذ حقّه استقلالاً، ولو كان على مقرٍّ ممتنعٍ، أو على منكرٍ ولصاحب الحقّ عليه بيّنةٌ، لأنّ في الرّفع إلى القضاء مئونةً ومشقّةً وتضييع زمانٍ‏.‏ والقول الآخر عندهم‏:‏ يجب الرّفع إلى القاضي، لإمكان حصوله على حقّه مع وجود الإقرار أو البيّنة‏.‏

والرّواية الأخرى من مذهب مالكٍ‏:‏ أنّه إن لم يكن لغيره عليه دينٌ فله أن يأخذ بقدر حقّه، وإن كان عليه دينٌ لم يجز، لأنّهما يتحاصّان في ماله إذا أفلس‏.‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ له أن يأخذ بقدر حقّه إن كان نقداً أو من جنس حقّه، وإن كان المال عرضاً لم يجز، لأنّ أخذ العوض عن حقّه اعتياضٌ، ولا تجوز المعاوضة إلاّ بالتّراضي، لكنّ المفتى به عند الحنفيّة جواز الأخذ من خلاف الجنس‏.‏ واحتجّ المانعون من الحنابلة بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك»، ومن أخذ منه قدر حقّه من ماله بغير علمه فقد خانه، فيدخل في عموم الخبر‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يحلّ مال امرئٍ مسلمٍ إلاّ عن طيب نفسٍ منه»‏.‏ ولأنّه إن أخذ من غير جنس حقّه، كان معاوضةً بغير تراضٍ، وإن أخذ من جنس حقّه، فليس له تعيين الحقّ بغير رضا صاحبه فإنّ التّعيين إليه، ألا ترى أنّه لا يجوز له أن يقول‏:‏ اقض حقّي من هذا الكيس دون هذا، ولأنّ كلّ ما لا يجوز له تملّكه إذا لم يكن له دينٌ لا يجوز له أخذه إذا كان له دينٌ، كما لو كان باذلاً له‏.‏ لكنّ المانعين استثنوا النّفقة، لأنّها تراد لإحياء النّفس وإبقاء المهجة، وهذا ممّا لا يصبر عنه، ولا سبيل إلى تركه، فجاز أخذ ما تندفع به الحاجة، بخلاف الدّين، ولذلك لو صارت النّفقة ماضيةً لم يكن لها أخذها، ولو وجب لها عليه دينٌ آخر غير النّفقة لم يكن لها أخذه‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏نفقةٌ‏)‏‏.‏

ب - استيفاء المرتهن قيمة الرّهن من المرهون‏:‏

19 - حقّ المرتهن في الرّهن أن يمسكه حتّى يؤدّي الرّاهن ما عليه، فإن لم يأت به عند حلول الأجل كان له أن يرفعه إلى القاضي فيبيع عليه الرّهن، وينصفه منه، إن لم يجبه الرّاهن إلى البيع‏.‏ وكذلك إن كان غائباً، خلافاً للحنفيّة‏.‏ وإن وكّل الرّاهن المرتهن على بيع الرّهن عند حلول الأجل جاز، وكرهه الإمام مالكٌ، إلاّ أن يرفع الأمر إلى القاضي‏.‏

والرّهن عند الجمهور يتعلّق بجملة الحقّ المرهون فيه وببعضه‏.‏ على معنى أنّ الرّاهن لو أدّى بعض الدّين وبقي بعضه، فإنّ الرّهن جميعه يبقى بيد المرتهن حتّى يستوفي كلّ حقّه‏.‏ وقال بعض الفقهاء‏:‏ بل يبقى من الرّهن بيد المرتهن بقدر ما يبقى من الحقّ‏.‏

وحجّة الجمهور أنّه محبوسٌ بحقٍّ، فوجب أن يكون محبوساً بكلّ جزءٍ منه، أصله حبس التّركة عن الورثة حتّى يؤدّوا الدّين الّذي على الميّت‏.‏ وحجّة الفريق الثّاني أنّ جميعه محبوسٌ بجميعه، فوجب أن تكون أبعاضه محبوسةً بأبعاضه، أصله الكفالة‏.‏

والمرتهن أحقّ بثمن الرّهن من جميع الغرماء، حتّى يستوفي حقّه، حيّاً كان الرّاهن أو ميّتاً، فإذا ضاق مال الرّاهن عن ديونه وطالب الغرماء بديونهم، أو حجر عليه لفلسه، وأريد قسمة ماله بين غرمائه، فإنّ من له رهنٌ يختصّ بثمنه عن سائر الغرماء، لأنّ حقّه متعلّقٌ بعين الرّهن وذمّة الرّاهن معاً، وباقي الغرماء يتعلّق حقّهم بذمّة الرّاهن دون عين الرّهن، فكان حقّ المرتهن أقوى، وهذا من أكثر فوائد الرّهن، وهو تقديمه بحقّه عند تزاحم الغرماء، وليس في هذا خلافٌ بين المذاهب، فيباع الرّهن، فإن كان ثمنه قدر الدّين أخذه المرتهن، وإن كان فيه زيادةٌ عن دينه ردّ الباقي على الغرماء، وإن فضل من دينه شيءٌ أخذ ثمنه وشارك الغرماء ببقيّة دينه‏.‏ وللتّفصيل يرجع إلى باب الرّهن‏.‏

ج - حبس المبيع لاستيفاء الثّمن‏:‏

20 - المنصوص عليه عند المالكيّة والحنفيّة - وهو قول الحنابلة اختاره ابن قدامة - أنّه إن كان الثّمن ديناً فللبائع أن يمتنع عن تسليم المبيع إلى المشتري حتّى يقضي الثّمن، ويجبر المشتري على تسليم الثّمن قبل الاستيفاء كالمرتهن‏.‏ واستدلّوا بأنّه لمّا كان الثّمن غير معيّنٍ وجب دفعه أوّلاً ليتعيّن‏.‏ وفي رأيٍ للشّافعيّة والحنابلة أنّه إن قال البائع‏:‏ لا أسلّم المبيع حتّى أقبض الثّمن، وقال المشتري‏:‏ لا أسلّمه حتّى أقبض المبيع، وكان الثّمن عيناً أو عرضاً، جعل بينهما عدلٌ يقبض منهما، ويسلّم إليهما‏.‏ مستدلّين على ذلك بأنّ حقّ البائع قد تعلّق بعين الثّمن، كما تعلّق حقّ المشتري بعين المبيع فاستويا، وقد وجب لكلّ واحدٍ منهما على الآخر حقٌّ قد استحقّ قبضه، فأجبر كلّ واحدٍ منهما على إيفاء صاحبه حقّه، وهذا قول الثّوريّ‏.‏ وفي قولٍ للإمام أحمد، وهو قولٌ ثانٍ للإمام الشّافعيّ‏:‏ أنّه يجب تسليم المبيع أوّلاً، ويجبر على ذلك البائع، لأنّ تسليم المبيع يتعلّق به استقرار البيع وتمامه، فكان تقديمه أولى، وإن كان ديناً أجبر البائع على تسليم المبيع، ثمّ أجبر المشتري على تسليم الثّمن، لأنّ حقّ المشتري تعلّق بعين المبيع، وحقّ البائع تعلّق بالذّمّة، وتقديم ما تعلّق بالعين أولى لتأكّده، وهذا إن كان الثّمن غير مؤجّلٍ‏.‏

د - الاستيفاء في الإجارة‏:‏

1 - استيفاء المنفعة‏:‏

21 - المنفعة تختلف في كلّ عقدٍ بحسب المعقود عليه، واستيفاؤها يكون بتمكين المؤجّر للمستأجر من محلّ العقد‏.‏ ويكون الاستيفاء في الأجير الخاصّ ‏(‏ويسمّى أجير الوحد‏)‏ بتسليم نفسه مع استعداده للعمل‏.‏ واستيفاء الإجارة على عملٍ في عينٍ - كخياطة ثوبٍ مثلاً - يكون بتسليم العين مصنوعةً حسب الاتّفاق‏.‏

2 - استيفاء الأجرة‏:‏

22 - استيفاء الأجرة يكون بأحد أمورٍ‏:‏ إمّا بتعجيل الأجرة من غير شرطٍ، وإمّا باستيفاء المنفعة فعلاً، أو التّمكّن منها، وإمّا باشتراط تعجيلها، أو التّعارف على التّعجيل كما صرّح به المالكيّة‏.‏ وفي المسألة خلافٌ وتفصيلٌ يرجع إليه في مصطلح ‏(‏إجارةٌ‏)‏‏.‏

هـ - استيفاء المستعير منفعة ما استعاره‏:‏

23 - أورد صاحب المغني أحكام استيفاء المنفعة في الإعارة فقال‏:‏ وإن استعار شيئاً فله استيفاء منفعته بنفسه وبوكيله، لأنّ وكيله نائبٌ عنه، ويده كيده، وليس له أن يؤجّره، لأنّه لم يملك المنافع، فلا يصحّ أن يملكها، ولا نعلم في هذا خلافاً، ولا خلاف بينهم أنّ المستعير لا يملك العين، وأجمعوا على أنّ للمستعير استعمال المعار فيما أذن له فيه، أمّا إعارته لغيره ففيه خلافٌ وتفصيلٌ موطنه مصطلح ‏(‏إعارةٌ‏)‏‏.‏

و - النّيابة في الاستيفاء‏:‏

1 - استخلاف الإمام غيره في إقامة الحدود‏:‏

24 - أجمع فقهاء المذاهب على أنّ للإمام أن يستخلف غيره على إقامة الحدود، لأنّه لا يقدر على استيفاء الجميع بنفسه، لأنّ أسباب وجوبها توجد في أقطار دار الإسلام، ولا يمكنه الذّهاب إليها، وفي الإحضار إلى مكان الإمام حرجٌ عظيمٌ، فلو لم يجز الاستخلاف لتعطّلت الحدود وهذا لا يجوز، ولهذا «كان عليه الصلاة والسلام يجعل إلى أمرائه تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود»‏.‏ والاستخلاف نوعان‏:‏ تنصيصٌ، وتوليةٌ‏.‏

أمّا التّنصيص‏:‏ فهو أن ينصّ على إقامة الحدود، فيجوز للنّائب إقامتها بلا شكٍّ‏.‏

والتّولية على نوعين‏:‏ خاصّةٌ، وعامّةٌ‏.‏

فالعامّة‏:‏ هي أن يولّي الإمام رجلاً ولايةً عامّةً، مثل إمارة إقليمٍ أو بلدٍ عظيمٍ، فيملك المولّى إقامة الحدود وإن لم ينصّ عليها، لأنّه لمّا قلّده إمارة ذلك البلد فقد فوّض إليه القيام بمصالح المسلمين، وإقامة الحدود من أعظم مصالحهم، فيملكها‏.‏

والخاصّة‏:‏ هي أن يولّي رجلاً ولايةً خاصّةً، مثل جباية الخراج ونحو ذلك، فلا يملك إقامة الحدود، لأنّ هذه التّولية لم تتناول إقامة الحدود، ولو استعمل أميراً على الجيش الكبير، فإن كان أمير مصرٍ أو مدينةٍ فغزا بجنده، فإنّه يملك إقامة الحدود في معسكره، لأنّه كان يملك الإقامة في بلده، فإذا خرج بأهله أو ببعضهم ملك عليهم ما كان يملك فيهم قبل الخروج، وأمّا من أخرجه أمير البلد غازياً فمن كان يملك إقامة الحدود عليهم قبل خروجه وبعده لم يفوّض إليه الإقامة، فلا يملك الإقامة‏.‏

2 - الوكالة بالاستيفاء‏:‏

25 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة وهو الرّاجح عند الحنابلة إلى أنّ كلّ ما يملك الإنسان من التّصرّفات فله أن يوكّل فيه، ومن ذلك القود والحدود‏.‏ وقال الحنفيّة‏:‏ كلّ ما يملك الإنسان أن يستوفيه من الحقوق بنفسه، يجوز أن يوكّل فيه إلاّ الحدود والقصاص، فلا يجوز أن يستوفيها الوكيل في غيبة الموكّل عن مجلس الاستيفاء، لأنّها تندرئ بالشّبهات‏.‏ واستدلّ الأئمّة الثّلاثة على جواز التّوكيل في القود والحدود، بأنّ النّبيّ عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ «اغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها‏.‏ فاعترفت فرجمت» ولأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك، لأنّ الإمام لا يمكنه تولّي ذلك بنفسه‏.‏

ويجوز التّوكيل في إثباتها‏.‏ ووافق بعض الحنابلة الحنفيّة على ما قالوه من عدم جواز استيفاء القصاص وحدّ القذف في غيبة الموكّل‏.‏